سورة لقمان - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


قوله تعالى: {هُدىً ورحمةً} وقرأ حمزة وحده: {ورحمةٌ} بالرفع. قال الزجاج: القراءة بالنصب على الحال؛ والمعنى: تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة؛ ويجوز الرفع على إِضمار {هو هدىً ورحمةٌ} وعلى معنى {تلك هدىً ورحمةٌ}. وقد سبق تفسير مفتتحَ هذه السورة [البقرة: 1-5] إِلى قوله: {ومِنَ النَّاس من يشتري لَهْوَ الحديث} قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية مغنّيةً. وقال مجاهد: نزلت في شراء القِيَان والمغنِّيات. وقال ابن السائب ومقاتل: نزلت في النَّضْر بن الحارث، وذلك أنه كان تاجراً إِلى فارس، فكان يشتري أخبار الأعاجم فيحدِّث بها قريشاً ويقول لهم: إِنَّ محمداً يحدِّثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أُحدِّثكم بحديث رستم وإِسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فنزلت فيه هذه الآية.
وفي المراد بلهو الحديث أربعة أقوال.
أحدها: أنه الغناء. كان ابن مسعود يقول: هو الغناء والذي لا إِله إِلا هو، يُردِّدها ثلاث مرات؛ وبهذا قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: اللهو: الطبل.
والثاني: أنه ما ألهى عن الله، قاله الحسن، وعنه مثل القول الأول.
والثالث: أنه الشِّرك، قاله الضحاك.
والرابع: الباطل، قاله عطاء.
وفي معنى {يشتري} قولان:
أحدهما: يشتري بماله؛ وحديث النضر يعضده.
والثاني: يختار ويستحبّ، قاله قتادة، ومطر. وإِنما قيل لهذه الأشياء: لهو الحديث، لأنها تُلهي عن ذِكْر الله.
قوله تعالى: {لِيَضِلَّ} المعنى: ليصير أمره إِلى الضلال، وقد بيَّنَّا هذا الحرف في [الحج: 9].
وقرأ أبو رزين، والحسن وطلحة بن مصرف، والأعمش، وأبو جعفر: {لِيُضِلَّ} بضم الياء، والمعنى: لِيُضِلَّ غيره، وإِذا أضَلَّ غيره فقد ضَلَّ هو أيضاً.
قوله تعالى: {ويَتَّخِذَها} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {ويَتَّخِذُها} برفع الذال. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بنصب الذال. قال أبو علي: من نصب عطف على {لِيُضِلَّ} {ويَتَّخذ} ومن رفع عطفه على {من يشتري} {ويتخذ}.
وفي المشار إِليه بقوله: {ويَتَّخِذَها} قولان:
أحدهما: أنها الآيات.
والثاني: السبيل.
وما بعد هذا مفسر في مواضع قد تقدَّمت [الاسراء: 46، الانعام: 25، البقرة: 25، الرعد: 2، النحل: 15، الشعراء: 7] إِلى قوله: {ولقد آتيْنا لُقمَان الحكمة} وفيها قولان:
أحدهما: الفهم والعقل، قاله الأكثرون.
والثاني: النبوَّة. وقد اختُلف في نبوَّته على قولين:
أحدهما: أنه كان حكيماً ولم يكن نبيّاً، قاله سعيد بن المسيب، ومجاهد، وقتادة.
والثاني: أنه كان نبيّاً، قاله الشعبي، وعكرمة، والسدي. هكذا حكاه عنهم الواحدي، ولا يعرف، إِلاَّ أن هذا ممَّا تفرَّد به عكرمة؛ والقول الأول أصح.
وفي صناعته ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه كان خيّاطاً، قاله سعيد بن المسيب.
والثاني: راعياً، قاله ابن زيد.
والثالث: نجاراً، قاله خالد الربعي.
فأما صفته، فقال ابن عباس: كان عبداً حبشيّاً. وقال سعيد بن المسيب: كان لقمان أسود من سودان مصر. وقال مجاهد: كان غليظ الشفتين مشقَّق القدمين، وكان قاضياً على بني إِسرائيل.
قوله تعالى: {أَنِ اشكُر لله} المعنى: وقلنا له: أن أشكر لله على ما أعطاك من الحكمة {ومن يشكُرْ فانَّما يَشكُرُ لنَفْسه} أي: إِنما يفعل لنفسه {ومن كَفَر} النِّعمة، فان الله لغنيٌّ عن عِبادة خَلْقه.


قوله تعالى: {ووصَّينا الإِنسان بوالديه} قال مقاتل: نزلت في سعد بن أبي وقاص، وقد شرحنا ذلك في [العنكبوت: 8].
قوله تعالى: {حملتْه أُمُّه وَهْناً على وَهْنٍ} وقرأ الضحاك، وعاصم الجحدري {وَهَناً على وَهَنٍ} بفتح الهاء فيهما. قال الزجاج: أي ضَعْفاً على ضَعْف. والمعنى: لزمها بحَمْلها إِيَّاه أن تَضْعُف مَرَّةً بعد مَرَّة. وموضع {أن} نصب ب {وصَّيْنا}؛ المعنى: ووصَّينا الإِنسان أن أشكُر لي ولوالدَيْك، أي: وصَّيناه بشُكْرنا وشُكر والدَيه.
قوله تعالى: {وفِصَالُه في عامَين} أي: فِطامُه يقع في انقضاء عامين. وقرأ إِبراهيم النخعي، وأبو عمران، والأعمش: {وفَصَالُه} بفتح الفاء. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن وأبو رجاء، وطلحة بن مصرِّف؛ وعاصم الجحدري، وقتادة؛ {وفَصْلُه} بفتح الفاء وسكون الصاد من غير ألف. والمراد: التنبيه على مشقَّة الوالدة بالرَّضاع بعد الحمل. قوله تعالى: {وإِن جاهَداكَ} قد فسرنا ذلك في سورة [العنكبوت: 8] إِلى قوله: {وصاحِبْهُما في الدُّنيا معروفاً} قال الزجاج: أي مُصَاحَباً معروفاً، تقول صاحبه مُصَاحَباً ومُصَاحَبَةً؛ والمعروف: ما يُستحسن من الأفعال.
قوله تعالى: {واتَّبِعْ سبيلَ مَنْ أناب إِليَّ} أي: مَنْ رَجَع إِليَّ؛ وأهل التفسير يقولون: هذه الآية نزلت في سعد، وهو المخاطَب بها.
وفي المراد بمَنْ أناب ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه أبو بكر الصِّدِّيق، قيل لسعد: اتَّبِع سبيله في الإِيمان، هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء. وقال ابن إِسحاق: أسلم على يَدي أبي بكر الصِّدِّيق: عثمانُ بن عفان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف.
والثاني: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن السائب.
والثالث: مَنْ سلك طريق محمد وأصحابه، ذكره الثعلبي.
ثم رجع إِلى الخبر عن لقمان فقال: {يا بُنيَّ}. وقال ابن جرير: وجه اعتراض هذه الآيات بين الخبرين عن وصيَّة لقمان أنَّ هذا ممَّا أوصى به لقمانُ ابنَه.
قوله تعالى: {إِنَّها إِنْ تَكُ مِثقالَ حَبَّة} وقرأ نافع وحده: {مِثقالُ حَبَّة} برفع اللام. وفي سبب قول لقمان لابنه هذا قولان:
أحدهما: أن ابن لقمان قال لأبيه: أرأيتَ لَو كانت حبَّة في قعر البحر أكان اللّهُ يعلَمُها؟ فأجابه بهذه الآية، قاله السدي.
والثاني: أنه قال يا أبت إِن عملتُ الخطيئة حيث لا يراني أحد، كيف يعلَمُها الله؟ فأجابه بهذا، قاله مقاتل.
قال الزجاج: من قرأ برفع المثقال مع تأنيث {تَكُ} فلأنَّ {مثقال حبَّة من خردل} راجع إِلى معنى: خردلة، فهي بمنزلة: إِن تَكُ حبَّةٌ من خردل؛ ومن قرأ {مثقالَ حبَّة} فعلى معنى: إِن التي سألتَني عنها إِن تَكُ مثقالَ حبَّة، وعلى معنى: إِنَّ فَعْلَة الإِنسان وإِن صَغُرت يأت بها الله. وقد بيَّنَّا معنى {مثقالَ حبَّة من خردل} في [الأنبياء47].
قوله تعالى: {فتكُن في صخرة} قال قتادة: في جبل.
وقال السدي: هي الصخرة التي تحت الأرض السابعة، ليست في السماوات ولا في الأرض.
وفي قوله: {يأت بها اللّهُ} ثلاثة أقوال.
أحدها: يعلَمها اللّهُ، قاله أبو مالك.
والثاني: يُظهرها، قاله ابن قتيبة.
والثالث: يأت بها الله في الآخرة للجزاء عليها.
{إِنَّ الله لطيف} قال الزجاج: لطيف باستخراجها {خبير} بمكانها. وهذا مَثَل لأعمال العباد، والمراد أنَّ الله تعالى يأتي بأعمالهم يوم القيامة، مَنْ يعمل مثقال ذَرَّة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذَرَّة شرّاً يره.
قوله تعالى: {واصْبِر على ما أصابك} أي: في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنْكَر من الأذى. وباقي الآية مفسر في [آل عمران: 286].


قوله تعالى: {ولا تُصَعِّر خدَّك للنَّاس} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر، ويعقوب: {تُصَعِّر} بتشديد العين من غير ألف. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بألف من غير تشديد. قال الفراء: هما لغتان، ومعناهما: الإِعراض من الكِبْر. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو رجاء، وابن السميفع، وعاصم الجحدري: {ولا تُصْعِر} باسكان الصاد وتخفيف العين من غير ألف. وقال الزجاج: معناه: لا تُعْرِض عن الناس تكبُّراً؛ يقال: أصاب البعير صَعَرٌ: إِذا أصابه داءٌ يَْلوي منه عُنُقه. وقال ابن عباس: هو الذي إِذا سُلِّم عليه لوى عُنُقه كالمستكبِر. وقال أبو العالية: ليكن الغنيُّ والفقير عندك في العِلْم سواءً. وقال مجاهد: هو الرجل يكون بينه وبين أخيه الحِنَة، فيراه فيُعرض عنه. وباقي الآية بعضه مفسر في [بني إِسرائيل: 37] وبعضه في سورة [النساء: 36].
قوله تعالى: {واقْصِدْ في مَشْيِكَ} أي: ليكن مشيُك قصداً، لا تخيُّلاً ولا إِسراعاً. قال عطاء: امش بالوقار والسَّكينة.
قوله تعالى: {واغضُض من صوتك} أي: انقص منه. قال الزجاج: ومنه قولهم: غضضتُ بصري، وفلان يغضُّ من فلان، أي: يقصر به.
{إِنَّ أنكر الأصوات} وقرأ أبو المتوكل، وابن أبي عبلة: {أنَّ أنكر الأصوات} بفتح الهمزة. ومعنى {أنكر}: أقبح؛ تقول: أتانا فلان بوجهٍ منكَر، أي: قبيح. وقال المبرِّد: تأويله: أن الجهر بالصوت ليس بمحمود، وأنه داخل في باب الصوت المنكَر. وقال ابن قتيبة: عَرَّفَهُ قُبْحَ رفْعِ الأصوات في المخاطبة والمُلاحاة بقبح أصوات الحمير، لأنها عالية. قال ابن زيد: لو كان رفع الصوت خيراً، ما جعله الله للحمير. وقال سفيان الثوري: صياح كل شيء تسبيح لله عز وجل، إِلا الحمار، فانه ينهق بلا فائدة.
فان قيل: كيف قال {لَصَوتُ} ولم يقل {لأَصواتُ الحمير}؟ فالجواب: أن لكل جنس صوتاً، فكأنه قال: إِن أنكر أصوات الأجناس صوت هذا الجنس.

1 | 2 | 3